منذ توليه رئاسة تونس في 2019، يواجه الرئيس قيس سعيد انتقادات واسعة بسبب سياساته التي أدت إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد. وبعد حوالي ثلاث سنوات من حكمه، أصبح من الواضح أن التوجهات التي اتبعها لم تؤدِّ إلى تحقيق الاستقرار أو التقدم، بل على العكس، كانت وراء المزيد من الانقسامات، والإجراءات القمعية، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. يمكن وصف سياسة قيس سعيد بأنها "فاشلة" في عدة جوانب، أبرزها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فضلاً عن غياب الرؤية الواضحة للمستقبل الديمقراطي في البلاد.
. **الانقلاب على الديمقراطية**
في 25 يوليو 2021، اتخذ قيس سعيد خطوة مفاجئة تمثلت في تعليق عمل البرلمان وتجميد صلاحياته، مستندًا إلى المادة 80 من الدستور التونسي، والتي تمنح الرئيس صلاحية اتخاذ "إجراءات استثنائية" في حالات الطوارئ. هذا القرار الذي وصفه العديد من السياسيين والنشطاء بأنه "انقلاب على الديمقراطية" لم يكن مجرد ردة فعل على الأزمة السياسية، بل كان بمثابة بداية لتحول تدريجي نحو الحكم الاستبدادي.
بدلاً من أن يتخذ قيس سعيد خطوة لإصلاح النظام السياسي، استغل صلاحياته لتفكيك المؤسسات الدستورية، واتخذ العديد من القرارات أحادية الجانب التي أدت إلى تآكل استقلالية القضاء وحقوق الإنسان. في يوليو 2022، قام سعيد بتعديل الدستور عبر استفتاء شعبي، وافق عليه عدد كبير من الناخبين، لكن نسبة المشاركة كانت منخفضة (حوالي 30%)، مما يعكس عدم الثقة في العملية برمتها. الدستور الجديد منح سعيد صلاحيات واسعة، من بينها صلاحية تعيين الحكومة بنفسه دون الحاجة إلى البرلمان، مما حول النظام السياسي إلى نظام رئاسي شبه استبدادي.
**السياسات الاقتصادية الفاشلة**
على الصعيد الاقتصادي، ورغم الوعود التي أطلقها قيس سعيد بتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفساد، إلا أن الوضع الاقتصادي في تونس شهد تدهورًا حادًا منذ توليه السلطة. فالتضخم وصل إلى مستويات قياسية، وارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير، خاصة بين الشباب، فيما واصلت المديونية العامة التزايد بشكل غير مسبوق.
تدهور الأوضاع الاقتصادية ترافق مع انهيار القطاع الصحي في ظل أزمة كورونا، وفشل الحكومة في توفير اللقاحات في الوقت المناسب أو توفير العلاج للمرضى. كما فشلت سياسة سعيد في معالجة مشاكل الفقر والبطالة، بل أسهمت قراراته المتسرعة في زيادة الأعباء المالية على المواطنين، مما جعل الاقتصاد التونسي يواجه أزمة عميقة، كما توقفت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب رفضه لعدد من الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، مما يعكس عزلته الدولية.
. **السياسات الداخلية: القمع وتقييد الحريات**
منذ بداية حكمه، اتخذ قيس سعيد إجراءات قمعية ضد المعارضين السياسيين، ووسّع من نطاق القمع ليشمل الصحافيين، والناشطين في المجتمع المدني، والمواطنين الذين يعبرون عن آرائهم المعارضة. تم اعتقال العديد من الشخصيات السياسية المعارضة له بتهم تتعلق بالفساد أو تهديد الأمن الوطني، فيما تم إغلاق بعض وسائل الإعلام المستقلة تحت ذرائع مختلفة، مما أدى إلى تدهور حرية الصحافة وتقييد الحريات العامة في البلاد.
أما على مستوى الخطاب السياسي، فقد أصبح قيس سعيد يستخدم لغة تحريضية ضد الأحزاب السياسية، محملًا إياها المسؤولية عن الأزمات التي تمر بها البلاد. هذا الخطاب الاستقطابي أدى إلى مزيد من الانقسام في المجتمع التونسي، وأدى إلى عزله عن العديد من القوى السياسية والاجتماعية في البلاد.
. **علاقات تونس الخارجية: العزلة الدولية**
على الصعيد الخارجي، تراجعت مكانة تونس في الساحة الدولية تحت حكم قيس سعيد. فقد شهدت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ودول الغرب توترًا، وذلك بسبب سياسة سعيد الانعزالية ورفضه للعديد من الشروط الاقتصادية والمالية التي فرضها صندوق النقد الدولي. كما أدت القرارات الأحادية للرئيس إلى تصاعد الانتقادات من منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة، التي أكدت أن الوضع في تونس بات يهدد المكتسبات الديمقراطية التي حققتها البلاد بعد ثورة 2011.
أزمة العلاقات مع الجيران في منطقة المغرب العربي كانت أيضًا بارزة، حيث لم تنجح سياسة سعيد الخارجية في تحقيق توافقات مع دول الجوار حول القضايا الإقليمية الهامة.
**الشعب التونسي: من التفاؤل إلى الإحباط**
كانت الثورة التونسية في 2011 بمثابة حلم للشعب التونسي في بناء دولة ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية والحرية. ولكن في ظل سياسات قيس سعيد، تحول هذا الحلم إلى إحباط لدى العديد من المواطنين الذين يواجهون يوميًا تدهورًا في مستوى معيشتهم وحقوقهم. فبينما كان سعيد في البداية يتمتع بشعبية كبيرة بسبب وعوده بإصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد، فإن ممارساته الانفرادية وقراراته المتسرعة قوبلت بكثير من النقد من قبل فئات واسعة من الشعب التونسي.
الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتفشي البطالة والفقر، وتعثر الإصلاحات، إضافة إلى القمع السياسي والإعلامي، جعلت العديد من التونسيين يفقدون الثقة في قدرة قيس سعيد على قيادة البلاد إلى بر الأمان.
الخلاصة:-فشل سياسة قيس سعيد في بناء تونس الديمقراطية**
بناء على ما سبق، من الواضح أن سياسات قيس سعيد لم تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية أو استقرار سياسي مستدام. على العكس من ذلك، فقد زادت من أزمات البلاد على جميع الأصعدة. من الواضح أن أسلوبه في إدارة البلاد يعتمد بشكل كبير على القمع والاستبداد، مما يعكس فشلاً ذريعًا في تعزيز الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية التي كان يأملها الشعب التونسي بعد الثورة.
المرحلة القادمة في تونس تتطلب إصلاحات حقيقية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولعل الأمل الوحيد يكمن في القدرة على استعادة المسار الديمقراطي، والحفاظ على الحقوق والحريات التي تم كسبها بشق الأنفس منذ 2011.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire