mardi

دولة البوليس في تونس زمن قيس سعيد: انتكاسة للمكتسبات الديمقراطية

شهدت تونس بعد ثورة 2011 تحولات سياسية كبيرة ومكتسبات ديمقراطية غير مسبوقة في تاريخها. لكن مع تولي الرئيس قيس سعيد السلطة وتصاعد نفوذه، بدأت هذه المكتسبات في التآكل. اليوم، تعيش تونس مرحلة يشوبها الخوف والترهيب، حيث يسود ما يُطلق عليه "دولة البوليس"، حيث تُستغل أجهزة الأمن لمراقبة المواطنين والتضييق على الحريات. فكيف وصل الحال في تونس إلى هذا الوضع؟ وما هي ملامح دولة البوليس في عهد قيس سعيد؟

1. التضييق على حرية التعبير والصحافة

من أبرز مظاهر دولة البوليس في تونس اليوم، تضييق الخناق على حرية التعبير والصحافة. لم تعد الصحافة التونسية كما كانت في السابق، حيث باتت تحت مراقبة أمنية مستمرة، وتتعرض للضغوطات كلما تناولت قضايا تمس سياسات الرئيس أو أداء الحكومة. اعتقالات الصحفيين، استجواباتهم، وتخويفهم، أصبحت جزءًا من الواقع اليومي للصحافة التونسية. وتحاول السلطة فرض رقابة صارمة على الخطاب العام عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يُعتبر تراجعًا عن مكتسبات حرية التعبير التي كانت من أهم إنجازات الثورة.

2. قمع المظاهرات والاحتجاجات السلمية

تعتبر المظاهرات السلمية من أبرز مظاهر التعبير عن الرأي العام في الأنظمة الديمقراطية. ومع ذلك، فقد واجهت الاحتجاجات المناهضة للحكومة وقرارات قيس سعيد قمعًا كبيرًا من قِبَل الأجهزة الأمنية، حيث استُخدمت القوة لتفريق المحتجين واعتقالهم، بما فيهم نشطاء سياسيون وحقوقيون. هذا القمع يعتبر انتهاكًا لحقوق التونسيين في التجمع السلمي، ويعزز الصورة القمعية للنظام في إطار دولة البوليس.

3. استغلال القضاء لتصفية المعارضين

عمدت السلطة في تونس إلى توظيف القضاء كأداة سياسية لتصفية الحسابات مع المعارضين وإسكات الأصوات المناوئة. فتح قضايا ضد نشطاء سياسيين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان أصبح شائعًا في ظل حكومة قيس سعيد، حيث يتم تقديمهم للمحاكمة بتهم غير واضحة، ما يوحي بوجود أهداف سياسية وراء تلك التهم. هذا الأسلوب في استغلال القضاء يُعد انحرافًا عن استقلاليته ويؤدي إلى خلق جو من الخوف والتهديد في صفوف المعارضين.

4. التضييق على المجتمع المدني

المجتمع المدني في تونس كان دائمًا جزءًا فاعلًا من المشهد الديمقراطي، حيث يلعب دورًا رئيسيًا في الدفاع عن الحقوق والحريات. لكن في عهد قيس سعيد، تعرضت منظمات المجتمع المدني لرقابة شديدة، وتم التضييق على نشاطاتها، خاصةً تلك التي تنتقد سياسات الحكومة. أصبح تسجيل المنظمات والحصول على تراخيص للنشاط تحديًا كبيرًا، فيما يُعتبر محاولة لإسكات أصوات المجتمع المدني وتقويض دوره في حماية الحريات.

5. انتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة

أصبحت انتهاكات حقوق الإنسان، كالاعتقالات العشوائية، سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، واستخدام العنف ضد المدنيين، من الأمور التي تُنسب إلى الأجهزة الأمنية في عهد قيس سعيد. تحوّل المواطنون من شعورهم بالأمان إلى الخوف من انتقام أجهزة الأمن في حالة مخالفة توجهات النظام، مما يعكس انحدارًا كبيرًا في وضع حقوق الإنسان في البلاد.

نحو أي مستقبل تتجه تونس؟

إن ما يحدث في تونس اليوم تحت حكم قيس سعيد يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل البلاد. تحويل تونس إلى دولة بوليسية، مع تقييد الحريات وعودة القمع، هو انعكاس لتوجه يبدو أن السلطة عازمة عليه، ما يعيد البلاد إلى حقبة كافحت طويلاً للتحرر منها.

يبدو أن مستقبل تونس يتجه نحو المزيد من القمع إذا استمرت السياسات الحالية، ما يجعل دور المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان ضرورة ملحة لدعم الشعب التونسي وحمايته من القمع. فهل ستتجه تونس نحو مزيد من الانغلاق، أم ستستعيد طريقها نحو الديمقراطية؟


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire